الفجر” تفتح ملفهم السلفية في الجزائر.. الخطر القادم
كاتب الموضوع
رسالة
benammar نجم المنتدى
عدد المساهمات : 62 نقاط التميز : 124 تاريخ التسجيل : 23/06/2010
موضوع: الفجر” تفتح ملفهم السلفية في الجزائر.. الخطر القادم الثلاثاء 4 ديسمبر - 18:17
تجار.. يتبنون “التقية” ويطلّقون السياسة إلى حين دورات تكوينية في المنهج السلفي تحت غطاء الحج والعمرة
عندما يخرج وزير الشؤون الدينية والأوقاف ويقول إن الدولة لم تعد قادرة على السيطرة على مساجد الجمهورية لأن الخطاب السلفي تغلغل فيها، وعندما يرفض الأئمة السلفيون الوقوف للنشيد الوطني ويحدث ذلك طوارئ في الجهاز الديني للبلاد، وعندما يحدث كل هذا في حين ترفع السلطة شعار المرجعية الجزائرية دون أن يكون لتلك المرجعية المزعومة أي أثر ملموس على واقع الناس، فمعناه أن هناك مشكلا حقيقيا في الخطاب الديني عندنا، بين ذلك الذي ترفعه السلطة وذاك الذي ينتج داخل أروقة الجامعات بطريقة غير رسمية لكنها منظمة وبين ما يسوق على منابر المساجد.
بعد التجربة المريرة التي مر بها المجتمع الجزائري في التسعينيات وفشل السلفية الجهادية والسياسية في الوصول إلى السلطة، تبنى أتباع التيار السلفي في الجزائر أسلوبا جديدا “للدعوة”، حيث يترك “جيل الإرهاب” كما يسمى للممارسة عملية الرفض لبعض مظاهر التغريب في المجتمع الجزائري، لكن دون مواجهة أو نقد علني للنظام الحاكم، فأتباع السلفية العلمية لا يجيزون الخروج عن الحاكم، ولا ينشغلون بأمور السياسة. وقد رسم أتباع هذا التيار هذه القناعة في 2003 بعد اجتماع عقدوه بالعاصمة وأيدوا من خلاله ترشح بوتفليقة لكرسي الرئاسة.
وهكذا أعاد أتباع هذا التيار حساباتهم مع المحيط، وحسموا أمر المشاركة السياسية إلى حين تشكيل المجتمع الإسلامي المثالي الذي يطمحون إلى العيش فيه. يحصي المتتبعون حالياً ثلاثة أنواع من السلفية في الجزائر، التيار الأول يمثل السلفية السياسية (أوالسلفية الحركية)؛ والثاني السلفية الجهادية التي تتبنى الجهاد؛ والسلفية العلمية أي السلفية القائمة على المعرفة الدينية.. وهي سلفية مكرّسة لعلماء الإسلام أوالحركة الوهابية، وذلك في إشارة إلى تأثير المرجعيات السعودية عليها، وهي المسيطرة حاليا على كثير من المنابر، منها كلية العلوم الإسلامية بالخروبة.
من منابر السياسة إلى عوالم التجارة، السلفية تغير الاستراتجية
السلفية العلمية، حسب المتتبعين، تعمل على استيعاب الشباب التابع لها وتوفر لهم الاندماج في المجتمع.. حيث تنشأ بين هؤلاء شبكات صداقة متينة تبدأ من المسجد والمواقع الالكترونية. أتباع هذا التيار يساعد بعضهم البعض في الزواج والحصول على منصب عمل وإيجاد السكن. يحدث هذا ليس على أساس الانتماء السياسي المشترك، كما كان حاصلا في الأحزاب الإسلامية التقليدية لكن على أساس الولاء لنفس المسجد أو الحلقة أوالجمعية. لذلك لا نجد أتباع هذا التيار يمارسون الدعوة من أجل الانتماء إلى مجموعاتهم، لكن في المقابل لا ينتقدون علنا المجتمع الذي يعيشون فيه ولا ينخرطون في الجمعيات الخيرية ولا يشاركون في حلقات إبداء الرأي علنا إلا في الحلقات الضيقة فيما بينهم، من بينها المساجد التي يتكفلون بتسييرها ودفع نفقات إنشائها وصيانتها وتعيين أتباعهم للإشراف عليها. وهكذا تخلى السلفيون عن خيار السلاح في بداية تطبيق الوئام المدني ليهتموا بالأعمال التجارية وشبكة العلاقات والمصالح المادية، وهذا عن طريق التسهيلات التي منحتها الدولة لبعض التائبين وفقا لبنود وقوانين مواثيق المصالحة الوطنية، خاصة الارتباطات التي توفرت لبعض أقطاب السلفية الذين لهم علاقات مباشرة مع زعماء الخليج، وقد ساعدت تلك العلاقات بعض الشباب السلفي في الجزائر ممن يتقنون الفرنسية التواصل مع غيرهم في أروبا وفرنسا خاصة. فتوسعت دائرة أعمالهم حيث صارت لهم اليد الطولى في كثير من أعمال الاستيراد والتصدير في مجال الكتاب والألبسة والافرشة والأثاث، وهم يستندون في ذلك إلى حادثة أحد الصحابة بعد هجرة الرسول “ص” الذي قال “دلوني على سوق المدينة”، وهذا حتى لا تبقى التجارة بيد اليهود. لهذا يرى البعض أن أقدم أحد أقطاب السلفية في الجزائر، الشيخ فركوس، بإصدار فتاوى تجيز إعطاء عمولة أوبقشيش لأعوان الجمارك قياسا على أنهم قطاع طرق، أوإجازة القروض الاستهلاكية يسير في خدمة هذا الاتجاه. كما يربط البعض الآخر بين فتوى الشيخ في ضحايا أحداث الربيع العربي الذين اعتبروا قتلى، قتلهم الجاهلون وليسوا شهداء تسير في إطار مراجعة هذا التيار لمواقفه السياسية السابقة، وأن أوان اقتحام العمل السياسي لم يحن بعد، حيث يرى الباحث الزبير عروس أن هذا الموقف يعتبر تكتيكيا في التعاطي مع الأحداث أكثر منه “مراجعة فكرية جادة للمواقف”.
رغم أن الكثير من الدارسين يرجعون جذور التيار السلفي في الجزائر إلى حركة أئمة الإصلاح منذ عهد الإمام ابن باديس والشيخ مبارك الميلي، غير أن السلفية في أشكالها الحالية يرجعها البعض إلى مطلع الثمانينيات، وهو الاتجاه الذي وفد إلى الجزائر وانتشر عن طريق الشباب الذي اتخذ من الحجاز قبلة لطلب العلم “الشرعي” كما يقال، ومنهم الجماعة التي درست في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي تشكل معقلا لـ”التيار السلفي”، ومنها تخرج الكثير من المشايخ الذين صاروا فيما بعد أقطابا للتيار السلفي الجديد في الجزائر، حيث صارت لهم مواقع على الأنترنت تشرح وجهات نظرهم وصار لهم أتباع وأشياع، خاصة أن أغلبهم أيضا لهم حلقات في المساجد التي يؤمون فيها المصلين، ونذكر منهم الشيخ محمد علي فركوس (إمام مسجد الهداية الإسلامية)، والعيد شريفي (أستاذ بكلية العلوم الإسلامية بالخروبة)، الشيخ عبد الغني عويسات، الشيخ لزهر سنيقرة، والشيخ عبد المالك رمضاني، أحد أقطاب السلفية العلمية في السنوات الأخيرة، ومؤسس جماعة “لاكولون“ التي من بين أهدافها الرئيسية الاهتمام بالعلم الشرعي الذي لا يُؤخذ حسب رأيهم إلا من أفواه “العلماء”، وترك السياسة للساسة. وكان عبد المالك رمضاني، إمام مسجد البدر بحيدرة سابقا، وأحد منتقدي علي بلحاج، قد أمضى فترة في السعودية إماما خطيبا في أحد مساجدها. وقد سبق أن هدد بالقتل من طرف جماعات اتهمته هو وكل من يحمل أفكاره بتضليل علماء الحجاز من خلال إعطائهم صورا مزيفة عن الوضع الجزائري والسلطة، ما جعلهم يفتون بعدم جواز مناهضتها وإعلان الجهاد عليها. كان للأزمة السياسية التي مرت بها البلاد دور في بروز مطلع التسعينيات نوع جديد من التيار السلفي غير الحركي “السلفية العلمية”، التي يحاول قادتها التموقع وتشكيل البديل للإسلام الحركي. وقد تزامن ظهور هذا الاتجاه في الجزائر مع تطور اتجاه جديد داخل الحركات الإسلامية في المشرق العربي يقدم نفسه بديلا “أكثر إسلامية”، ووريثا للحركات الإسلامية التقليدية، مثل الإخوان المسلمون، وحزب التحرير وجماعة التبليغ. وكانت هذه الاتجاهات تتفق كلها على اتخاذ مشايخ الحجاز مرجعا دينيا و روحيا لها، وعلي رأسهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
السلفيون الجدد يسيطرون على الجامعة
تشكل كلية الخروبة صورة مصغرة لانتشار التيار السلفي الجديد وتغلغله في المجتمع الجزائري، حيث يضم المعهد أتباع التيار السلفي الجديد في الجزائر، إذ تكفي جولة في المعهد والتردد عليه لأيام والحديث مع الطلبة أو حضور دروس بعض الأساتذة لتوضيح الصورة. كما أن الحديث إلى مقربين من هذا التيار يمكنها أن تعطينا أيضا فكرة عن الاتجاهات التي يمكن لهذا التيار أن يسلكها. ولعل أول شيء يمكن أن يلاحظه المتردد على المعهد أن قلة قليلة جدا من الأساتذة من يحترمون المقررات الدراسية، بينما يعمل الأغلبية على الترويج لقناعاتهم الشخصية وللمبادئ السلفية، ليس فقط في التدريس وطريقة تلقين المعلومة، لكن حتى في الترويج للسلوكات وطريقة اللباس وطريقة النقاش. فأغلب الطلبة في الأحياء الجامعية مثلا يقصرون في الصلاة بدعوة أنهم غير مقيمين. وقد صار أتباع الاتجاه السلفي يشكلون لوبي هنا حتى أن الأساتذة الذين لا يمشون في هذا الخط تتم محاصرتهم إداريا ويتحالف الجميع ضدهم، حيث قال أحد المارين من هذا المعهد إن من لا يمشي في خط السلفية، سواء كان في طريقة التدريس أو اللباس أو حتى ممارسة طقوس الحياة اليومية، يتم إدراجه في خانة معينة و يعامل بحذر و ربما يُنبذ. كما يمكن أن يتعرض لمضايقات في كل شيء، وحتى طريقة توزيع حصصه التدريسية، وهذا لممارسة الضغط على الأساتذة الخارجين عن الخط. وحسب من تحدثنا إليهم هنا فإن التحايل قد يمتد أيضا إلى المجلس العلمي للكلية الذين يسطر عليه السلفية، والأساتذة غير المنتمين لأي تيار سياسي يتم إقصاؤهم من التواجد داخل المجلس. يعتمد أتباع التيار السلفي الجديد على الانتشار الجماعي واللوبي في كل شيء، بما في ذلك العلاقات الشخصية والخاصة، فبعض الشيوخ ينظمون حلقات دروس في بيوتهم أو في أماكن أخرى خارج الجامعة، والبعض الآخر يلعبون دور الولي للطلبات والطلبة ويعقدون الزيجات، حيث ينتشر هنا الزواج المسيار بكثرة ويعدونه حلالا وزواجا شرعيا، فيما يكّفر البعض الآخر كل من يرتدي اللباس الأروبي المتمثل في البذلة وربطة العنق، وفي أقل الأضرار فإنهم يقاطعون صاحب الهيئة ويصنفونه، كما كان في السابق بعض الشيوخ هنا يحرمون قراءة الجرائد والتعامل مع الإعلام وحتى مشاهدة التلفزيون وارتداء الساعة في اليد اليسرى. كما سبق أيضا أن كانوا يحرمون الاختلاط و بعض العلوم والتخصصات التي يضطر فيها الطلبة للاختلاط مع الطالبات، فأحدهم سبق أن طرح سؤالا على أحد الشيوخ وقال له أن المجتمع الإسلامي يقتضي أن أتخصص في الطب لكن المفاسد تمنعني من ابتغاء غير العلم الشرعي، فأجابه الشيخ “فليهلك الناس ولتنقذ نفسك”!.
تحت هذا الشعار، حسب المتتبعين لتفاصيل الحياة داخل الكلية، يقولون إن هناك تيارات سياسية مسيطرة هنا ظاهريا على الأقل، ومنها حماس والنهضة. ولكن التيار السلفي يعيد مراجعة نفسه بتبني أسلوب التقية بالامتناع عن الخلط في السياسة بعدم إجازة الخروج عن الحاكم، غير أن البعض يرى فيها قناعات مرحلية ناجمة عن فشل تجربة “الفيس” التي قادت الحركة إلى مراجعة جد واسعة في المنهج والمعتقد، حيث نجد ممارسات في هذا الاتجاه تصل إلى حد استحداث فتوى “تجيز الوشاية للحاكم” تماهيا مع التيار الجديد الذي صار يهتم أكثر وأكثر بما يطلقون عليه “أسلمة المجتمع” بدل اتباع الغوغاء للتفرقة بين المسلمين ويقصدون طبعا السياسيين. تلعب كتيبات الجيب التي توزع مجانا، دورا حاسما في إفراز ظاهرة السلفيين الجدد، فأغلب الطلبة هنا يستمدون قراءاتهم من هذه الكتيبات التي تقام لها معارض دائمة أو شبه دائمة، مع العلم أن “مانيفستو” هذه الكتيبات بعيدة كل البعد عن الثقافة الدينية العميقة التي تعلم الإنسان النقد والتفكير الحر، لكنها حشد من الأحكام و الآراء النقلية وليست العقلية لمجموعة أشخاص تطبعها دول وسفارات، ومنها سفارة السعودي، وتوزعها بالمجان لحشد الدعم لإيديولوجيا يراد لها أن تكون مذهبا، ربما هذا ما يفسر أن بعض الأساتذة يأتون بكتب ويوزعونها على الطلبة بالمجان.
وقد ساهمت السفريات أو رحلات “طلاب العلم” الجدد إلى مراكز الدعوة السلفية، وخاصة إلى السعودية، في تكوين القيادات الجديدة التي تأثرت بما وجدته في المملكة.. فبعض الطلبة يحجون أكثر من مرة ويعتمرون أكثر من مرة، وتكون تلك البعثات غطاء للتكوين في السلفية العلمية، وهي لا تقلق السلطة طالما أنها لا تجيز الخروج عن الحاكم. فلأصحاب هذا الاتجاه “كوطة” دائمة في قوائم الحج والعمرة، مع العلم أنه ليس كل طالب مقبول، فيجب أن تمنح له تزكية من طرف شيوخ السلفية هنا في الجزائر، والذين بدورهم يكونون محل ثقة وتزكية من طرف المرجعيات السعودية.
فالتزكية من طرف علم من أعلام السلفية هي التي تحدد مكانة الطالب ومدى صلاحيته، والكثيرون هنا يرون تجارب أناس تم رفضهم هناك لأنهم “طرقيون” وليسوا من جماعة أهل السلفية. وعلى أساس التزكية يذهب الطالب إلى السعودية من أجل الحصول على تربص بشقيه الكتابي والشفوي ينتهي بشهادة تؤهله مستقبلا ليكون بدوره مرجعا. وطبعا التزكية التي تمنحها هذه الجامعات والمرجعيات الخارجية بإمكانها في أي لحظة أن تنزعها عن الشخص المعني، مثلما حدث مع أحد الشيوخ النافذين سابقا في المعهد قبل أن يتم تحييده وتقليص نفوذه. عملية التزكية من طرف المراجع السلفية تتغير تبعا لدرجة تغير خطاب المعني، وكذا تبعا لتغيير استراتيجية وأساليب عمل الجماعة. فإلى عهد قريب مثلا كانت سفارة السعودية تدفع ألف دولار لكل طالب يقوم بتقديم تقارير صحفية وأدبية ترصد حركية المجتمع في محيطه، ونوعية النقاشات التي تدور فيها ووفق هذه التقارير تبني الجهات المعنية استراتيجياتها.
الفجر الجزائرية
الفجر” تفتح ملفهم السلفية في الجزائر.. الخطر القادم