عدد المساهمات : 553 نقاط التميز : 17925 تاريخ التسجيل : 23/06/2010 العمر : 44
موضوع: تمويل الجمعيات الأربعاء 11 يناير - 17:52
تمويل الجمعيات
هل تخضع مصادر التمويل الأجنبية إلى الشفافية والمراقبة؟
مئات الجمعيات والمنظمات تكونت بعد ثورة 14 جانفي تحت تسميات متعددة ومتنوعة فاختلفت البرامج والأهداف منها ما هو على مدى بعيد ومنها ما يخدم المرحلة الراهنة بما في ذلك المشاركة في إنجاح انتخابات المجلس التأسيسي برنامجها الأساسي مراقبة المسيرة الإنتخابية من الإعداد إلى المراقبة إلى يوم الإقتراع وصولا إلى نتائج الإنتخابات.
قليل من هذه الجمعيات ممن أصبح لها تواجدا قانونيا وواضح الكيان والهيكل دون الإعتبار الجمعيات العتيدة ومع ذلك بدأ الكثير منها التحرك والنشاط المنصب من جهة على العمل الإجتماعي ومن جهة ثانية على العمل التنموي ومن جهة ثالثة على العمل السياسي. وتبقى مسألة التمويل والإجابة عن سؤال "من أين لك هذا؟" موضع استفهام وبحث وجدل والأغلب "يطل" على المشهد بعين واحدة والعين الأخرى تبحث عن كسب الأموال والارتماء في أحضان الأطراف الأجنبية تحت غطاء مساندة الثورة التونسية والمساهمة في تحقيق التنمية العادلة بين الجهات والقضاء على البطالة وانجاح الإنتقال الديمقراطي.
فقد وصلت قيمة التمويلات الأجنبية لبعض الجمعيات والمنظمات إبان الثورة لمساعدتها على تخطي المرحلة الراهنة 300 ألف أورو للجمعية الواحدة وفاقت حتى هذه القيمة لجمعيات أخرى.
فكانت للعديد من الجمعيات الناشئة الجرأة في التحرك للنظر في مشاغل جهاتها دون انتظار لا للحكومة المؤقتة ولا أي سلطة أخرى بعد حصولها على "وصل ايداع"، فسعت إلى الإتصال المباشر مع ممثلي الإتحاد الأوروبي لدعوتهم للبحث في سبل تمويل المشاريع الصغرى والإطلاع والتعرف على مكونات كل جهة وخصوصياتها.
ولقد شكلت طرق تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وآلياتها من قبل مفوضية الإتحاد الأوروبي بتونس ثمّ مراقبتها لاحقا أبرز الإشكاليات التي طرحت على طاولة النقاش خلال لقاءات عديدة بين المفوضية الأوروبية والجمعيات وأصحاب أفكار المشاريع بالعديد من الجهات الداخلية.
فاللبس كان واضحا وضوح الشمس لدى أصحاب أفكار المشاريع وحتى ممثلي المجتمع المدني الجدد بهذه الجهات حول طرق تمويل مشاريعهم ظنّا منهم أن ّ التمويل والتأطير سيكون بصفة مباشرة بين صاحب المشروع والإتحاد الأوروبي والحال أن العديد من التعقيدات تحوم حول القوانين والتشريعات سواء كانت الدولية أو التونسية والتي تضع في مقدمة مشاغلها كيفية المراقبة وآليتها.
هذه التعقيدات شملت النوايا من وراء البحث عن التمويل الأجنبي فاعتبرها السيد كمال العيادي رئيس مركز التفكير الإستراتيجي للتنمية بالشمال الغربي أنه " مقارنة بالتمويل السياسي لا تشكل ّخطرا محدقا إذا ما خضعت إلى ضوابط أخلاقية وأهداف واضحة من حيث البرمجة " وأضاف "إذا كانت التمويلات ستكون لصالح مشاريع تنموية أو برامج علمية أو لفائدة تنمية القدرات البشرية للجمعيات فلا حرج في ذلك خاصة في ظل الظروف الراهنة، فالتمويل في المطلق يجب أن يخضع لحساب مشاريع تنموية وعلمية يمكن مراقبتها وتأطيرها". ومن جهته أكد السيد معز بوراوي رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الإنتخابات أنه "على التمويلات أن تخضع إلى الشفافية والمراقبة خاصة المتأتية من الجمعيات الأجنبية الحقوقية غير الحكومية" وأضاف أن " عملية المراقبة يجب أن تتم عن طريق السلط المعنية خاصة إذا ما تجاوزت ميزانيتها الـ 50 ألف دينار بإخضاعها إلى مراقبة من قبل خبراء محاسبين" وبين أنه "من الصعب في ظل الصعوبات المادية التي تمر بها البلاد أن لا نحتاج إلى تمويلات أجنبية فالعديد من هذه الجهات على غرار مفوضية الإتحاد الأوروبي بتونس تستجيب إلى المعايير الأخلاقية والشفافة في تمويلها مختلف مكونات المجتمع المدني".
إيمان عبد اللطيف
King Admin
عدد المساهمات : 553 نقاط التميز : 17925 تاريخ التسجيل : 23/06/2010 العمر : 44
موضوع: رد: تمويل الجمعيات الأربعاء 11 يناير - 17:57
يعتبر وجود مجتمع مدني نشيط من أهمّ مقوّمات الديمقراطيّة في المجتمعات الحديثة. ومع هبوب رياح الديمقراطيّة على العالم العربي هذه السنة، لا بدّ من التفكير في إرساء ركائز مجتمع مدني يمكن له أن يقوم بدور السلطة المضادة للسلطة السياسيّة ويعبّر عن مختلف تطلّعات المجتمع. وبما أنّ المال هو قوام الأعمال، يجدر التفكير في تنمية الموارد الماليّة للجمعيّات في العالم العربي. تتأتّى موارد الجمعيات من مصادر مختلفة كاشتراكات الأعضاء والهبات وعائدات المنشورات ومنح الدول ومساعدات المنظمات الدولية. ورغم هذا التنوّع، فإنّ تمويل أنشطة الجمعيات في العالم العربي في العقود الأخيرة كان يتعرّض لمصاعب جمّة. فمن المفترض أنّ موارد الجمعيات، كمنظمات مستقلّة عن الدولة، تتأتّى خاصة من اشتراكات الأعضاء والهبات ولكنّ الملاحظ أنّ هذا النوع من الموارد محدود للغاية. ففيما يخص الاشتراكات، فهي لا تعاني فقط من تضاؤل أعدادها، بل أنّ عددا من الأعضاء لا يقومون بدفعها دون أن يتمّ تعليق عضويتهم بما أنّ هذا الإجراء ليس في مصلحة الجمعيّة خاصة إن كانت تعاني أساسا من نقص في عدد أعضائها، وهو ما ينطبق على عدد كبير من الجمعيّات العربيّة بما أنّ الثقافة السائدة بعيدة عن تثمين دور المجتمع المدني في التنمية. أمّا في خصوص الهبات المتأتّية من القطاع الخاص، فلا يمكنها تغطية هذا النقص في الموارد، بما أنّه، وكما تشير سارة بن نفيسة، وفي إطار قطاع خاص موضوع هو نفسه في علاقة زبونيّة مع جهاز الدولة، من الصعب تصوّر تمويل مستقلّ يخصّ الجمعيّات، إذ عادة ما يقتصر القطاع الخاص على تمويل الجمعيّات ذات الحظوة عند النظام والجمعيّات الّتي تكون فاعليّتها الاجتماعيّة بادية للعيان (كالجمعيّات الرياضيّة). وأمام هذا الضعف في الموارد، تجد الجمعيّات أنفسها أمام خيارين: إمّا أن تتوجّه إلى الدولة وتتلقّى منحها وإمّا أن تبحث عن موارد من لدن مانحين أجانب. وفي الحالتين، ستقوم الجمعيّة بتضحية: فهي ستضحّي إمّا باستقلاليتها تجاه الدولة أو بمصداقيّتها لدى الرأي العام (فالتمويل الأجنبي يكون دائما عرضة للشبهات)، وهذا ما لا يسمح لها بأن تقوم بدورها على النحو الأمثل. فرغم أنّه من المفترض أنّ الجمعيات يجب أن تظلّ مستقلّة عن الدولة، يلاحظ بعض الباحثين أنّ بعض الجمعيات العربيّة لا تكتفي بالمحافظة على العلاقة (الزبونيّة بالضرورة) الّتي تربطهم بالسلطة بل أنّها تبحث عنها. فعموما، نادرا ما تقوم بعض الجمعيات بإدانة تدخّل الإدارة في شؤون الجمعيات، نظرا لأنّها تحتاج إلى مساعدة الدولة في تعزيز مواردها المالية وكذلك البشريّة. وهذا ما يخصّ الجمعيّات الّتي تصفها سارة بن نفيسة بالجمعيّات شبه الإداريّة، وهي جمعيّات يتمثّل نشاطها الأساسي في توفير خدمات للسكّان المحليين. فدورها مكمّل لدور الدّولة وبالتالي فهي لا تخسر الكثير بربط علاقات مع الدولة بما أنّ هدفها يتمثّل في ضمان توفير خدمات للسكّان دون الالتزام بقضايا قد تأزّم علاقتهم بالدولة، وهكذا تفقد عنصر الاستقلاليّة لتكون أشبه بمصالح للدولة منها لجمعيّات مستقلّة. وتخيّر جمعيّات أخرى التوجّه إلى تنظيمات أجنبيّة لتمويل أنشطتها، وعادة ما يتعلّق الأمر بجمعيّات المناصرة الّتي تدافع عموما عن قضايا تهمّ حقوق الإنسان. إذ يجد هذا النوع من الجمعيّات نفسه مضطرّا إلى اللجوء إلى الخارج للحصول على تمويلات لأنّه يعاني من جهة من تحفّظ السلط العموميّة تجاهه ومن جهة ثانية من عجز في التواصل مع مجتمعه يصل إلى حدّ القطيعة نظرا لتركّز اهتمامات السكّان على الجانب المادي وتعلّقها بتحقيق مستوى أدنى للعيش. ورغم أنّ هذه العلاقة مع الخارج تضمن للجمعيّات بعض الاستقرار على المستوى المالي، فإنّها قد تتسبّب في عرقلة أنشطتها. فكما يشير دليل الحريّات الجمعيّاتيّة الفرنسي لسنة 2007، تثير هذه العلاقة الريبة على عدّة مستويات: خوف من استعمار جديد، حذر من تأثير متغلغل قد يشيع البلبلة في مجتمع منكفئ على أفكاره التقليديّة، الخوف من التصلّب الإسلامي...كلّ هذه الخلفيّات تتآلف داعية إلى الحذر من كلّ علاقة مع الخارج. ويمنح الدعم الأجنبي الجمعيّات مقدارا من حريّة التحرّك، وهو ما تنظر إليه الدول بعين الريبة. وللحدّ من أثر هذه العلاقة مع الخارج، تراقب الدور العربيّة بيقظة كبيرة التمويلات المتأتّية من الخارج. فيمكن أن تكون هذه التمويلات ممنوعة (كما هو الحال في البحرين، الإمارات، سوريا والأردن (نظريّا)) كما يمكن أن تخضع هذه التمويلات لترخيص مسبّق كما في الجزائر والمغرب والسعوديّة، أين تمّ وضع برنامج إعلاميّة موّحد لمتابعة كلّ التصرّفات الماليّة للجمعيّات في هذا البلد للتأكّد من احترامها لهذا الترخيص. ولا تهمّ هذه التضييقات سوى جمعيّات المناصرة، بما أنّ التمويل الأجنبي مقبول، بل محبّذ، عندما يتعلّق الأمر بجمعيّة لها علاقات طيّبة مع السلطة. وقد لاحظت نادية خوري-داغر أنّ بعض الحكومات تقوم بإحداث جمعيّات وتهيئة إطارها القانوني لإثارة اهتمام المموّلين الأجانب، كما كان الحال في تونس فيما يخصّ الجمعيات ذات المصلحة المشتركة الّتي أحدثتها الدولة في الريف والمكلّفة مثلا بإمدادات المياه والّتي كانت تجمع، إلى جانب المواطنين، العمدة ممثّل وزارة الداخليّة. فالدّولة لا تكتفي بعرقلة نفاذ الجمعيّات المستقلّة إلى التمويلات الخارجيّة، بل أنّها تزاحمها بإحداث منظماتها الحكوميّة غير الحكوميّة ( governmental non govermental organizationsالمعروفة اختصارا بـ GONGOs) الّتي تتحصّل على تمويل المانحين الأجانب دون أن تخشى اتّهامات "الإضرار باستقلال البلاد" الّذي يوجّه إلى الجمعيّات المستقلّة ! وترتبط الصعوبات الموضوعة أمام تمويل الجمعيات إلى حدّ كبير بالإطار القانوني الّذي ينظّمها في الدول العربيّة وهو إطار معرقِل لعملها ويستوجب بدوره إصلاحا عاجلا وشاملا.