راشد الغنوشي لـ «الشروق»: «النهضـــــــــــة» ستنتصر في الانتخابات
السبت, 27. أوت 2011
الجمعة 26 أوت 2011 الساعة 09:06:59 بتوقيت تونس العاصمة
تونس (الشروق)هو بكلّ تأكيد من بين السياسيين الأكثر إثارة في الحياة الوطنية بالأمس واليوم وربّما سيكون كذلك في المستقبل مع ما أحدثته ثورة 14 جانفي من تغيّرات وتحوّلات عميقة على الساحة التونسيّة...«الشروق» التقته.
الحديث مع زعيم حركة النهضة فيه الكثير من الانتظارات – وربّما حتى المفاجآت- بحكم «الهالة» التي أصبح يحظى بها وتحظى بها حركته ، فعلى الرغم من مظاهر الحصار والتضييق والمحاكمات التي رافقت ، هذا الرجل وهذه الحركة ، منذ نشأة الاتجاه الإسلامي في جوان 1981 ، فإنّ الغنوشي والنهضة ينطلقان اليوم بعد ثورة 14 جانفي بنوع جديد من الإثارة حيث الانتقال من موقع الضحية والمطارد والمعارض إلى موقع متقدّم حيث التطلّع إلى المشاركة في الحكم.
كيف تقرؤون الوضع السياسي في تونس اليوم وهل لكم ثقة في انجاز الانتخابات في موعدها؟
في البداية أحييكم وأحيي عبركم شعبنا الثائر.
أنا مطمئن إلى أنّه لا بديل اليوم غير السير نحو مجلس وطني تأسيسي اللّهم إلاّ الفوضى المطلقة التي لا مصلحة فيها للبلاد والعباد ولا للداخل أو الخارج ، عدا قوى عدميّة ، لذلك يبقى المسار نحو المجلس التأسيسي هو المسار الوحيد للخروج بالبلاد من حالة الغموض والهشاشة والتأقيت (المؤقت).
وما موقفكم من الدعوات بإجراء استفتاء بالتزامن مع انتخاب المجلس الوطني التأسيسي؟
الدعوة إلى إجراء الاستفتاء رسالة مسمومة تُـرسل إلى الرأي العام من قبل بعض النخب الّتي تشكّك في إرادة الشعب ونضجه وقدرته على حسن اختيار ممثليه في أوّل مؤسّسة ذات تمثيليّة في دولة الاستقلال.
هؤلاء يريدون أن يُولد مجلس تأسيسي مكبّل الأيدي مشككين في أهليته وصلاحيته ومدّة بقائه أي يُشكّكون في أنّه سيّد ، لذلك لم يكن عجبا أنّ الأحزاب الّتي التقاها الوزير الأوّل مؤخّرا اتّفقت على رفض هذا المقترح العابث المشكّك في مؤسّسة لم تُولد بعد وتُلقى على كاهلها آمال كبيرة في تسلّم السيادة في الدولة .
إلى أيّ حد ستكون الحركة راضية عن نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي؟
نأمل أن تكون انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر أوّل انتخابات ذات مصداقيّة في تاريخ الدولة التونسيّة الحديثة التي تُحظى بالقبول من قبل كلّ الأطراف الرابحة والخاسرة على حدّ السواء.
هل أصبحتم فعلا ترون أنفسكم داخل السلطة السياسية ومن المشاركين في الدولة وليس خارجها في المعارضة مثلا؟
نعم، نحن نتهيّأ للمشاركة في الحكم إذا حظينا بثقة الشعب فلن نُخيّب آماله، ولأجل ذلك تتشكّل الأحزاب ، ونحن حاليّا نُعدّ «حكومة ظل» كفئة وقادرة على تحمّل المسؤوليّة وفي نفس الوقت نبحث مع الآخرين على وفاقات لأنّنا نرى أنّ تونس خلال الخمس سنوات المقبلة لا يُمكنها أن تكون خارج حكومة إئتلاف وطني.
وبخصوص حركة النهضة فإنّه حتى في صورة حصولنا على الأغلبية – وهذا أمر صعب بحكم القانون الانتخابي- فإنّنا نراهن على حكومة إئتلافيّة لأنّنا نرى أنّ أوضاع البلاد لا يقدر على تحمّلها حزب واحد، نحن نُقدّر أنّ حركتنا تُمثّل غالبية الشعب ، سنتحصّل على غالبية الأصوات ولكنّنا بحكم القانون الانتخابي لن يتسنّى لنا الحصول على غالبية المقاعد.
تقولون أنّكم تتحادثون مع آخرين ..من هم هؤلاء؟
نحن منفتحون على كلّ التيارات الليبراليّة والقوميّة واليساريّة، لنا صلة إلى حدّ بالأحزاب الّتي كانت معارضة لبن علي ، هؤلاء عملنا مع بعض ولازالت لنا معهم علاقات ومفاوضات.
لكن حليف الأمس الأبرز أحمد نجيب الشابي هاجمكم مؤخّرا واتهمكم بالتخفي خلف مشروع مجتمعي ظلامي وقال إنّه سيتصدّى لكم ...كيف تردّون؟
أنا أفضّل أن لا أتحدّث في هذا الموضوع لأنّ لنا مع الحزب الديمقراطي التقدمي ماض نضالي وتاريخ نضالي لا نُريد أن نسيء إليه بأيّ صورة من الصور.
وماذا بالنسبة للأحزاب الدستوريّة أو تلك التي أسّسها البعض من رموز حزب التجمّع المنحل؟
هذه الأحزاب ليست واضحة بالنسبة لنا ، ما زلنا لا نعرف درجة تخلّصها من أدران الماضي ولا يزال التنازع داخلها فهي فتات لم يتخلّق بعد وهي في نظرنا بمثابة جسد مبعثر ، ولكن السؤال الأبرز: من سيكون قادرا على وراثة هذا الإرث المسموم بل من يقبل ذلك؟.إنّه إرث فساد واستبداد إرث بغيض شنقت على أعواده التيارات المعارضة كلّها بدءا باليوسفيين إلى النقابيين واليساريين والقوميين والإسلاميين :فأيّ صفحة نقيّة من هذا الإرث يتعيّنُ نزعها من هذا الكتاب الخبيث.
ولكن نحن لا نحكم بالجملة على كلّ من انتمى إلى هذا الحزب، هناك من غُرّر بهم وهناك من أجبرته ضرورات ويبقى القضاء وحده هو الفيصل بالنسبة للرموز التي لوّثت تاريخ تونس بالنفاق وتزييف الانتخابات وقمع الحريات.
هذا الحزب امتطت صهوتهُ كلّ أجهزة القهر والظلم والقمع فكلّ ما حصل في تونس من تزييف ونفاق ونهب وقمع وإقصاء وتخريب وتغريب وضرب للدين والحريات هي مسؤوليّة هذا الحزب طيلة العهدين السيّئين عهد بورقيبة وعهد بن علي.
هل تستشعرون فعلا مخاوف تسكنُ قطاعات من المجتمع التونسي من حركتكم وبرنامجها المستقبلي خاصة على مستوى النمط المجتمعي والحريات وحقوق المرأة والأسرة؟ ألا ترون أنّه لا بدّ لكم من برامج لمزيد طمأنة تلك القطاعات وكذلك الأطراف السياسيّة الأخرى؟
هناك من حرص على أن يرث بن علي في استخدام الفزّاعة الإسلاميّة ويعتبر التخويف من الإسلاميين «بزنس» يُمكن أن يجلب له تعاطفا مع بعض الخصوم في الداخل والخارج ، فبعض رجال الأعمال متخوفون من «التطهّر الإسلامي» حريصون على العفن.
وفي اعتقادي فإنّه لا يخاف من النهضة إلاّ أحد صنفين:
ـ إمّا جاهل بالإسلام والنهضة فصدّق دعايات ما رسّخه بن علي من أضاليل حول إرهابيّة النهضة والحركات الإسلاميّة دون أن يُكلّف نفسه عناء الإطلاع على وثائقها وأدبياتها ، ومن الأمثلة على ذلك ما صرّح به محمّد الطالبي على الهواء بعد أن أوسعني شتما وإدعاءات باطلة ولمّا سئل :هل قرأت للغنوشي؟ ، قال:لم أقرأ له شيئا !!! ، وأنا أدعو هؤلاء إلى الإنصاف وإلى أن يحترموا عقولهم وعقول الناس.
ـ طرف ثان يحترف استخدام فزاعة الإسلاميين أي جعل رزقه تكذيب النهضة والتهجّم عليها واتهامها، وينطبق على هؤلاء قوله تعالى «ويجعلون رزقهم أنّكم تكذّبون»، وهؤلاء لا دواء لهم.
لا وجود لمخاوف مشروعة من النهضة، لأنّ النهضة ما فتئت تؤكّد منذ أكثر من 20 سنة احترامها الكامل لحقوق المواطنة المتساوية بين كلّ التونسيين ودفاعها عن الحريات العامة والخاصة وفق أسس النظام الديمقراطي، والنهضة كانت سبّاقة لتأصيل مبادئ الديمقراطيّة في الثقافة الإسلاميّة وأسهمت في تطوّر الفكر الإسلامي العالمي ، هذا الفكر الذي استفاد منه الآخرون فقد حرم منه المجتمع التونسي، ولكن هذا عهد ولّى ومضى واليوم الكتب والأدبيات موجودة وبإمكان الجميع الإطلاع عليها دون صعوبة.
وللأسف هناك قطاع من النساء قد لا يكون واسعا لا يزال تحت وطأة العدوان وسموم بن علي ، هؤلاء النسوة يخشين على أعمالهن وحقهن في الشغل والتعليم أو المشاركة، ولكن هي أوهام ، وأقول لهؤلاء : انظروا للإسلاميين زوجات وبنات وأخوات يشتغلن في مختلف القطاعات ويدرسن ويسافرن ويُشاركن في العمل السياسي والمدني، كما أنّ النهضة لم تعترض على مبدإ المناصفة في الترشّح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي: كيف لمن أباح أشياء لأقرب النساء إليه أن يمنع غيرهن عنها؟
النهضة ترحّب في صفوفها بكلّ التونسيين والتونسيات الّذين هم جادّون في تحقيق أهداف الثورة المباركة، المتحجّبات وغير المتحجّبات، القائمون بالصلاة والمفرطون فيها، على اعتبار أنّ الزمن لا يتوقّف على حدّ معيّن ونحن لا ننظر إلى الناس بمستوى تديّنهم لأنّ التديّن أمر متحوّل وليس ثابتا ، وأهل السنّة كلّهم يؤمنون بأنّ الإيمان ينقص ويزيد ، المهم أن يكون الإنسان صادقا جادّا مع نفسه ومع الآخرين.
ما هي علاقتكم ببقية الأحزاب والتيارات الإسلاميّة في تونس: أساسا حزب التحرير والتيار السلفي؟
هؤلاء إخوتنا نسعى إلى الحوار والتواصل معهم والتعاون في ما اتّفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض في ما اختلفنا فيه.
ما هو موقفكم من المطالبين اليوم بالمصالحة الوطنيّة، وما تصوركم لتجاوز مظالم الماضي والتجاوزات التي حصلت من تعذيب وسجن وتهجير وقتل؟
هي كلمة حق إذا لم يُرد منها باطل، ونحن طالما دعونا إلى المصالحة بين الدولة والمجتمع وبين الدولة والدين، بين بلادنا وتاريخها ومحيطها المغاربي والعربي والإسلامي.
أمّا المصالحة اليوم إذا كان المقصود منها التعتيم أو الالتفاف على جرائم العهد البائد ـ أي وكأنّ شيئا لم يكن ـ فهذا ليس من العدل في شيء، إذ لا بُدّ من أن تسبق المصالحة مُصارحة ومُحاسبة، لا بدّ من الاعتراف بالحقوق لأصحابها ثمّ إعادتها لهم، التونسي يُمكن أن يقبل طي صفحة الماضي (أرني حقي وخذه) لكن لا بُدّ من وضع النقاط على الحروف ، مثلما حدث في جنوب إفريقيا والشيلي وبلدان أخرى حصلت مصالحة بعد أن تمّ الاعتراف بالحق لأصحابه ، يُمكن أن تحدث المصالحة عوضا عن التشفّي ويمكن أن يقع الاعتذار وطلب الصفح للمذنبين من ضحاياهم ، ينبغي التعويض للمتضررين ولكن هناك أشياء لا يُمكن تعويضها ، من سيُعوّض الزوجة الـتي فقدت زوجها والأبناء الّذين فقدوا والديهم وهذه الأبدان التي خرّبها التعذيب والإهمال ونالتها صنوف الأمراض والعجز ، والمغربون من سيُعوّض لهم أو ماذا سنُعوّض لهم؟؟؟؟؟.
الأمر في نظري يحتاج إلى مصالحة عميقة دون غش ، أن نفتح الجرح بكلّ قيحه ومساوئه وأن نقوم بعملية تنظيف وتطهير جديّة ونلمّ ذلك الجرح ونُحقّق المطلوب لما فيه الخير للجميع.
تحدثتم مؤخرا في ندوة صحفية عن معركتين تنتظران حركة النهضة، الأولى تهم الانتخابات والثانية أسميتها بـ«معركة المؤتمر»، هل تقصدون أنّ المؤتمر القادم للحركة سيكون ساخنا؟ وماذا عن التجاذبات والصراعات داخل هياكل الحركة بين مناضلي الداخل والخارج ؟ وهل هناك صراع أجيال داخل حركة النهضة؟
النهضة حركة كبيرة ومن شأن هذه الحركات أن تتّسع للاختلافات ولوجود تيارات داخلها ، وكذا كانت النهضة وإنّما لذلك السبب استطاعت أن تمرّ بسلام وسط حقول من الزلازل .
ليس هناك صراع بين الداخل والخارج بين أبناء النهضة، ولكن الداخل فيه صراعات والخارج كذلك وهذا هو الأمر المعتاد، وتقديرنا أنّ النهضة ستخرجُ من مؤتمرها القادم الّذي سيُعقدُ على الأرجح بداية العام القادم ستخرجُ بمقرّرات توافقيّة بين مختلف التيارات.
في عملية التقييم التي أجريتموها سنة 1995 أكّدتم أنّ تقديركم للظروف السياسية في تونس سنة 1989 أي قبل الانتخابات حينها كان غير مصيب وأنّه كان من الأجدر عدم الدخول بذلك الاندفاع وبذلك الحماس ، في تقديركم هل المعطى السياسي المحلي والإقليمي والدولي اليوم قادر على تقبّل فوز للنهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي؟
ظروف انتخابات سنة 1989 غير ظروف انتخابات 2011 ، داخليا وخارجيّا، سنة 1989 كان الوضع الدولي يشهد بداية خلل هائل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وإعلان الانتصار النهائي للرأسماليّة وبداية استهداف الإسلام الّذي تطوّر إلى الحرب العالميّة ضدّ الإرهاب، بن علي وأنظمة عربية أخرى امتطت هذا التيار لتسحق الخصوم والمعارضين تحت يافطة مكافحة الإرهاب، هذه الموجة انكسرت وسقوط بن علي جاء ضمن ما شهدته الرأسماليّة من انهيارات خلال السنوات الأخيرة ، إضافة إلى ذلك هناك اليوم شبه اتفاق دولي على أنّ استقرار المنطقة ومنها تونس بعد اندلاع الثورات العربية لم يبق له من سبيل غير نجاح عمليّة التحوّل الديمقراطي واشتراك الإسلاميين فيها ، والبديل عن ذلك لن يكون غير انهيار الدولة وغياب الاستقرار ورحيل مئات الآلاف من الشباب نحو الضفّة الأخرى ممّا هو غير محتمل في أيّ صورة من الصور.
التقييم الّذي أجريناه وربّما أجراه غيرنا ، تقييم أنّ النهضة أخطأت بدخولها بقوّة حتّى أربكت العملية كلّها وكان يُمكن لها أن تدخل وتُشارك برفق ولو كانت فعلت ذلك لسهّلت على تونس انجاح تحوّل ديمقراطي، هذا التقييم خطأ لأنّ بن علي لم يكن مؤهّلا لإدارة عملية ديمقراطيّة ولاحقا باءت كلّ مشاريع إصلاح النظام من الداخل بالفشل والأحزاب التي شاركت بن علي أعطته إضافة في عمره ، وكان بإمكان النهضة أن تُشارك ولكن ولو لا رحمة الله لكان مصيرها مصير بقية أحزاب الإدارة والموالاة.
إنّ المشاركة الجزئيّة في الانتخابات لا تُفضي إلى النظام الديمقراطي، فهي من ثمّ إسهام في الغش لأنّ الديمقراطية تقتضي أن تخوض الأحزاب الانتخابات بكلّ ثقلها وبشكل منظّم ، ولهذا فأنا أرى أنّ أحمد المستيري وفّق عندما رفض الدخول في ما طرحه بن علي حينها من عملية غش وعلى قاعدة الاتفاق على حصص قبل الانتخابات، قبلت الأحزاب ورفض المستيري فسقطت العملية ، أمّا نحن فقد أخطأنا لمّا قبلنا ذلك العرض واعتبرنا تلك العملية حلحة ويمكن اعتبارها خطوة وأسلوبا للتمشّي الديمقراطي ولكنّها في حقيقتها لم تكن خطوة وإنّما هي اسهام في الغش.
العملية الديمقراطيّة معركة سياسيّة وانتخابيّة يجب أن تجري بكلّ أصولها وبكلّ ما تعنيه دون تزييف.
لهذا فنحن هذه المرّة ندخل العملية الديمقراطيّة بكلّ جديّة وصفاء وبكلّ ما لنا من طاقة والآخرون يفعلون ذلك وهذا هو الواجب وهذا هو منطق الآليات الديمقراطيّة.
لكن طيلة السنوات اللاحقة كانت هناك مفاوضات ومحاولات صلح مع نظام بن علي؟
حاولنا التصالح مع بن علي ، لم نطلب برأسه ولكن هو الّذي طلب رؤوسنا، عندما جاء بيان 7 نوفمبر قبلناه وأخذنا الأمر مأخذ الجد وراهنا على إصلاح النظام من الداخل مثلما فعلت كلّ القوى لكن انتخابات 1989 اختبار أدّى إلى القناعة بفشل محاولة الإصلاح من الداخل فمررنا إلى مواجهة النظام ضمن إستراتيجية أسميناها «فرض الحريات عبر حركة الشارع»، وهي خطّة فشلت لأنّ الظروف لم تكن سانحة ولم تكن مهيئة ولكنّها كانت إرهاصة لما جاء بعدها وخاصة عبر انتفاضة الحوض المنجمي وما جدّ نهاية سنة 2010 من أحداث وانتفاضات في قفصة والقصرين وسيدي بوزيد وبن قرادن وغيرها من جهات ومدن البلاد.
أعلن عبد الفتاح مورو ترشحه للانتخابات التأسيسيّة ضمن قائمات مستقلة، هل يعني أنّ القطيعة قد تمّت بين مورو وحركة النهضة وأنّكم فشلتم في إقناع قيادات الحركة بإعادة مورو خاصة وأنكم صرّحتم بأنّ الرجل سيكون قائد الحملة الانتخابية للحركة ؟
الشيخ عبد الفتاح مورو حفظه الله من أعظم القادة المؤسسين لحركة النهضة ويحظى باحترام كبير في أوساط كلّ الحركة، حصلت خلال المحنة الّتي مرّت بها الحركة بعض الخلافات وهناك مساع جادّة لتجاوزها، أمّا مشاركة الشيخ مورو في الانتخابات القادمة فليست ثابتة والمرجّح أنّه لن يترشّح شخصيّا رغم أنّنا كنّا نتمنّى عكس ذلك.
بالتحديد ما هو موقع مورو في حركة النهضة اليوم؟
عندما سئلت منذ فترة هل عاد مورو للنهضة ؟ أجبت:ومتى غادرها حتّى يعود إليها ، وأنا متمسّك بهذا الجواب وذلك بقطع النظر عن الترتيبات التنظيميّة والإداريّة ، فمورو مرحّب به في مؤسّسات الحركة وبين قواعدها.
تحدّثتم كثيرا عن برنامجكم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ولكن إلى حدّ الآن لم يتم الإعلان عن أيّة تفاصيل عن ذلك؟
قريبا جدّا سيتمّ الإعلان عن برنامج الحركة كاملا ومفصّلا والذي أعدّته نخبة من الخبراء والمختصّين من أبناء الحركة، لقد أقرّت الهيئة التأسيسيّة مؤخّرا البرنامج وكلّفت لجنة لصياغة نصّه النهائي وسيرى النور قريبا.
راشد الغنوشي عضو مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ورئيس حركة النهضة التي تتبنى أطروحة الدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة...هل يستوي الأمران؟
مع ضرورة التثبّت في هذه المعطيات ، فالنهضة حركة وطنيّة تونسيّة مستقلّة في قرارها وتربطها علاقات أخويّة مع طيف واسع من الحركات الإسلاميّة المعتدلة في العالم ، من المغرب إلى تركيا إلى مصر وأندونسيا والهند وباكستان، هو الخط الإسلامي الوسطي والمعتدل ونحن عضو مؤثّر فيه نُفيد ونستفيد منه، ولكن يبقى كلّ واحد بخصوصياته المحليّة والقطريّة.
نحن لسنا في نظام الخلافة ونحن نحترم هذا الإطار الوطني الّذي نعمل فيه إلى أن يقع تجاوزه إلى دولة مغاربيّة أو اتحاد عربي ولم لا اتحاد إسلامي.
كلّ المسلمين يؤمنون بأنّهم أمّة واحدة ولكنهم لا يعملون في إطار دولة خلافة أو ما شابهها بل هم يتوقون ويتطلعون إلى توسيع ذلك الإطار من الوحدة إلى إطار أوسع ، وهناك اليوم هياكل موجودة (اتحاد دول المغرب العربي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي) ولكنّها هياكل تحتاج إلى تأهيل وتفعيل وعملية ارتقاء بها لخدمة الشعوب المغاربية والعربية والإسلاميّة.
إنّ الحديث عن التداخل بين المقدّس والسياسي في عملنا هو من الإدعاءات الباطلة لمحترفي الإساءة للإسلاميين وتشويههم ، هم يحترفون التشويه وهذا سلوك معلوم ودارج.
أعلنتم منذ فترة عن عدم ترشحكم مستقبلا لأيّ موقع قيادي في حركة النهضة ولا في الدولة التونسية، ما هي مبررات قراركم ذلك، وهل ما زلتم متمسكين به؟
لم أغيّر رأيي وقناعتي في ذلك، شغلت بما فيه الكفاية من دورات قياديّة وهناك جيل جديد من القياديين مؤهّل للقيادة، وعلى كلّ حال فأنا على ذمّة إخواني وإذا غادرت هذا الموقع فلا يعني أنّني سأغادر الحركة.
أرى أنّ دوري في المستقبل أنّ تونس هي جزء من الأمّة وأنا أتحرّك في أفق الأمّة كأمين عام مساعد لاتحاد علماء المسلمين، وتونس هي جزء صغير من عالم أوسع هو الأمّة.
ختاما، من الملفات المُثارة في حقّ حركتكم من خصومكم، مسألة التمويل..من أين تأتون بالمال ؟
لا تُسأل أكبر حركة في البلاد من أين لها أن تفتح المقرات ، هذا السؤال يُوجّه للأحزاب والحركات الصغيرة التي لا يُعلم لها ماض نضالي ولا امتداد شعبي وتوجد لها مقرّات وتقوم بحملات إشهاريّة واسعة في القنوات التلفزيّة وفي الشوارع ، هؤلاء هم الّذين يجب أن يُساءلون.
حركة النهضة باعتراف الجميع هي أكبر حركة لها حوالي 30 ألفا من الأعضاء القُدامى يدفع كلّ واحد منهم 5 % من أجره الشهري وهذا معناه أنّنا نموّل أنفسنا بأنفسنا ، ثمّ كيف لحركة موّلت نفسها وهي مضطهدة (جرايات لعائلات المساجين وإعانات...) أن تُسأل من أين تأتي بالأموال؟.
اليوم لم يعد الناس يخافون منّا، الحركة الآن تشهد إقبالا من كلّ الفئات وسنفتح قريبا باب العضوية وتقديراتنا أنّه سيكون لنا مليون عضو، كلّ طبقات المجتمع مقبلة علينا فلماذا نحتاج إلى تمويل من الخارج؟